نشاة الفرق واسباب الضلال
ذم الله سبحانه التفرق والاختلاف في الدين، ونهى عن جميع الطرق والأسباب المؤدية إليه، وجاءت النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية تحذر من التفرق والاختلاف، وتبين سوء عاقبته؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آل عمران: 105 - 107]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [الأنعام: 159] فالمسلمون دينهم واحد، ويجب أن يكونوا أمة واحدة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [المؤمنون: 52، 53] وقد أوصى الله جميع الأمم بإقامة الدين الذي أنزله الله على أنبيائه، وعدم التفرق فيه، وبيَّن أن التفرق وقع من الناس مع وجود العلم بسبب البغي والظلم؛ قال الله تعالى: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ * وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى: 13، 14]
وكان المسلمون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قائمين بدين الإسلام بلا تفرق ولا اختلاف تضاد محرَّم، وإن وقع بينهم اختلاف أفهامٍ أو تنوع، وكذلك كانوا في عهد الخليفتين الراشدين أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ثم بعد مقتل الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه حدث أول اختلاف وشقاق بين المسلمين، وبدأ ظهور الشيعة والخوارج في عهد الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم ظهرت بدعة النواصب مقابل بدعة الشيعة، وظهرت بدعة المرجئة مقابل بدعة الخوارج، وحين ظهرت بدعة القدرية، قابلها بدعة الجبرية، فكثير من البدع قديمًا وحديثًا يكون ظهورها ردة فعل مقابل بدعة أخرى، ويكون الحق غالبًا بينهما وحين تنازع الناس في مسألة إخراج العمل الصالح عن مسمى الإيمان، وحكم مرتكب الكبيرة، فقال الخوارج: هو كافر، وقالت المرجئة: هو كامل الإيمان - حدثت فرقة المعتزلة الذين وافقوا الخوارج في القول بتخليد أصحاب الكبائر في النار، إلا أنهم ابتدعوا القول بالمنزلة بين المنزلتين، فلا يسمون صاحب الكبيرة مؤمنًا ولا كافرًا، وإنما يقولون: هو في منزلة بين المنزلتين، وكثر الكلام بالآراء والأهواء في تأييد هذه البدع المختلفة المخالفة لِما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
ثم في أواخر عصر التابعين حدث القول بخلق القرآن، ونفي الصفات الإلهية، والقول بتأويل استواء الله على العرش بمعنى استولى، وأول من أظهر هذه الأقوال الجعد بن درهم الحراني ثم الدمشقي (توفي نحو: 118 هـ)، شيخ الجهم بن صفوان السمرقندي (ت نحو: 128 هـ)، الذي تُنسب إليه فرقة الجهمية وحين تُرجِمت كثير من كتب فلاسفة اليونان إلى اللغة العربية تأثر أهل البدع بالفلسفة اليونانية، وانتشرت مقالة الجهمية، وظهر بشر بن غياث المريسي البغدادي (ت: 218هـ) الذي نصر مذهب الجهمية، ومن أشهر تلاميذه: القاضي أحمد بن أبي دؤاد البصري ثم البغدادي (ت: 240هـ)، أعظم دعاة الجهمية الذين سعَوا في فتنة خلق القرآن ثم ظهر عبدالله بن سعيد بن كُلَّاب البصري (ت: 243 هـ)، فردَّ على الجهمية في قولهم بخلق القرآن، وابتدع القول بأن كلام الله كلام نفسي قائم بذات الله سبحانه، وأن الله لا يتكلم حقيقة بما شاء متى شاء ثم ظهر في البصرة أبو علي الجبائي الحنفي (ت: 303 هـ)، إمام المعتزلة، وشيخ أبي الحسن الأشعري، وحين تبين لأبي الحسن الأشعري (ت: 324 هـ) بطلان عقيدة المعتزلة تاب منها، ورد على المعتزلة، وقال بمقالة ابن كُلَّاب في الكلام النفسي، وانتسب إلى السنة، ووافق السلف في غالب مسائل الاعتقاد، واشتهر أمره أولًا في البصرة وبغداد، ثم تطور المذهب الأشعري بواسطة كثير من أعلام الأشاعرة من الشافعية والمالكية، وظهر في سمرقند أبو منصور الماتريدي الحنفي (ت: 333 هـ)، وانتسب إليه الماتريدية من الحنفية
وكثر التأليف في مسائل العقيدة بالحق والباطل، وظهرت الفرق الباطنية، وازداد ضلال الفرق الشيعية، وظهرت فرقة الإباضية، وانتشر التصوف، وكثرت الطرق الصوفية، وظهر الغلاة في جميع الفرق والمذاهب، وكثر الخلاف والجدال والخصام في مسائل الاعتقاد وغيرها، وتكلف المتكلمون الخوض فيما لم يتكلم فيه السلف الصالح، بل صرح كثير من المتكلمين بأن طريقتهم أعلم وأحكم من طريقة السلف الصالح من الصحابة والتابعين، وأدخل بعض المصنفين بدعَ أهل الكلام فيما صنفوه في التفسير وعلوم القرآن، وعلوم الحديث، وشروحه، وأصول الفقه، والله المستعان. وهذه الخلافات الكثيرة فيها تصديق لقول الله سبحانه: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ [هود: 118، 119]
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بوقوع الخلافات الكثيرة في أمته، ودلنا على المخرج منها باتباع القرآن الكريم وسنته؛ ففي مسند أحمد (23282) وسنن أبي داود (4246) من حديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاه عند الفتن بتعلم القرآن الكريم واتِّباعه، قال: ((يا حذيفة، تعلَّم كتاب الله، واتَّبِع ما فيه))؛ قالها ثلاث مرات، وهي وصية لجميع الأمة، فإن القرآن يهدي للتي هي أقوم، فمن تعلمه وتدبره واتَّبعه، اهتدى. وفي الحديث الصحيح عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: ((صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرَفت منها العيون، ووجِلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودِّع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبدًا حبشيًّا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))؛ [رواه أبو داود (4607) وغيره]
فهذه الخلافات الكثيرة هي من أعظم الاختبار الذي يختبر الله به عباده؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [الأنعام: 116، 117] وقد أوصانا الله بترك البدع والمحدثات، وأمرنا بلزوم الصراط المستقيم الذي يجب علينا أن نسأل الله الهداية إليه في كل صلاة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153]، والصراط المستقيم هو الإسلام الذي شرعه الله لعباده، وهو الطريق الواضح الذي لا اعوجاجَ فيه؛ وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وأصحابه الذين أمرنا الله أن نتبعهم بإحسان، وعلينا أن نقول في كل ركعة: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7] ومع هذه الوصايا الربانية إلا أن أكثر الناس ضلوا عن الصراط المستقيم، واتبعوا البدع والشبهات والشهوات، فضلُّوا عن سبيل الله الذي وصاهم باتباعه، فما هي أسباب الضلال؟
هذه أهم أسباب الضلال كما بيَّن الله ذلك في كتابه العظيم
اللهم ارزقنا الصدق والإخلاص، وأرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، لا يهدي للحق إلا أنت وحدك لا شريك لك، اهدنا الصراط المستقيم الذي تهدي إليه من تشاء بفضلك ورحمتك، واكفِنا شر نفوسنا، وأخرجنا من الظلمات إلى النور برحمتك يا أرحم الراحمين
الشيخ علي الأسمري حفظه الله تعالى
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد، فالعقيدة الإسلامية هي التوحيد الخالص من الشرك والبدع والمعارضات، لأن اسم الاسلام بني على الاستسلام الخالص والانقياد الصادق لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومع ضعف العلم وتوالي كيد الشيطان بجنده وخطواته وأهوائه تسلل الضعف إلى فئام من المسلمين، لذا كان أهم فروض الأعيان هو تجريد التوحيد وتحقيق العقيدة السليمة من البدع المحدثة والأهواء الردية، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وكل محدثة رد وبدعة، فالدين قد كمل وما لم يعرفه البدريون فليس من الدين، فعليك بالأمر العتيق وقف حيث وقف القوم فإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا... وأيسر العلوم وأوضحها وأبينها هو علم العقيدة، ولا يزال في الأمة بقايا من أهل العلم يقومون بحجج الله في أرضه، يدعون الناس إلى الصراط المستقيم، ويرشدونهم إلى الطريق القويم، يبصرون بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أهل الزيغ والعمى، ويصبرون منهم على الأذى ينفون عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم انتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين وتحريف الغالين، ويشرحون لهم حقيقة الدين، ويكشفون لهم الشبه بواضح البراهين
وأعظم كتاب في العقيدة هو كتاب الله العزيز، فهو هدى وشفاء، ومُفصّلٌ بينُ مبين، ورحمة ونور لمن أراد الله به خيرًا، قال الله :{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ۗ أَفَمَنْ يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (٤٣) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ۖ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ۗ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٤٤) [فصلت]} فالقرآن هو كتاب عقيدة، وفيه آيات كثر تقطع جميع الشبهات، ولذا قال الإمام أحمد وغيره: "ما من شُبهة إلا وجوابها في كتاب الله" ففيه آيات تقطع عروق الشِرك، وتعالج ما يتعلق بتوحيد العبادة، قال الله تعالى ـ: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ ولا فِي الأرْضِ وما لَهُمْ فِيهِما مِن شِرْكٍ وما لَهُ مِنهُمْ مِن ظَهِيرٍ * ولا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إلّا لِمَن أذِنَ لَهُ﴾. و هذه الآية قيل تقطع عروق الشرك من القلوب. كما هو شفاء من شبهات المعطلة والجهمية قال الله ﴿وللَّهِ الأسْمَآءُ الحُسْنى فادْعُوهُ بِها وذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ وفي زوائد مسند أحمد (ط الميمنية) (4/ 248) 18353- قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ الْقَوَارِيرِيُّ: لَيْسَ حَدِيثٌ أَشَدَّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلِهِ : لاَ شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِدْحَةٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. وفي سنن الإمام أبي داود - أَوْلُ كِتَابِ السُّنَّةِ - بَابٌ : فِي الْجَهْمِيةِ(4728) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ النَّسَائِيُّ الْمَعْنَى، قَالَا : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ - يَعْنِي ابْنَ عِمْرَانَ - حَدَّثَنِي أَبُو يُونُسَ سُلَيْمُ بْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } ، إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { سَمِيعًا بَصِيرًا } ، قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا وَيَضَعُ إِصْبَعَيْهِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ : قَالَ الْمُقْرِئُ : يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، يَعْنِي أَنَّ لِلَّهِ سَمْعًا وَبَصَرًا
قَالَ أَبُو دَاوُدَ : وَهَذَا رَدٌّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ. وقال الإمام الترمذي رحمه الله تعالى: في سننه :(وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم وقالوا إن الله لم يخلق آدم بيده وقالوا إن معنى اليد هاهنا القوة) اهـ. فالعجب ممن يقرأ كتب السنة، ويظهر العناية بها ومحبتها وتكرار سماعها؛ بل تدريسها ويكثر منه المرور بنصوص كتاب التوحيد من صحيح البخاري وكتاب السنة في داخل سنن أبي داود وما ذكر مسلم وابن ماجة في أوائل تبويب كتابيهما، وقبلهم نصوص كثيرة للسلف حتى زمن الإمامين أحمد والشافعي وتلاميذهم، ثم يمر بكلام أبي داود والترمذي السالف وغيره، فيزعم إمامتهم والانتساب إليهم ثم يحكم بضلال وحشوية من وافقهم!! وهذا الفصام هو لشدة مرض التجهم الذي أصاب القوم في مقتل والله المستعان أن يهدينا وأياهم ويهدي بنا. لذا كان من الأهمية بيان ومدارسة النصوص الصريحة في الصفات وموقف السلف من الإقرار والتسليم وتكفيرهم للجهمية المعطلة بلا خلاف، ومما يخنق الجهمية ويكسر أباطيلهم بيان النصوص كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وصفا باللسان أو الإشارة الحسية، وكلاهما ليس تمثيلا وتشبيها بل بيان وتسليم وتفهيم لا ينفك عن الإجلال والتعظيم، وازدياد الخضوع والمحبة للجليل الكبير سبحانه وتقدس؛ ولذا فعله النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ قول الله : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة } [الزمر:67] فقبض يديه، وهزهما في خطبته حتى خشي ابن عمر الراوي أن يسقط به المنبر.
ولما قال: ( القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن ) قلب إصبعيه، وأشار لمقدار تجلي الرب للجبل، وأشار بيده إلى السماء مشهدا في خطبة الوداع يوم عرفة ومستشهدا ومثبتا لعلو ربه سبحانه وتعالى كما في حديث جابر وغيره، وحكى فعل الرب سبحانه بلسانه ويده في مواطن ونصوص كثيره وفعله الصاحبة بعده ومن تبعهم بإحسان قبل تفشي تعطيل الجهمية وسمومها، ويسر الله لي جمع " الأربعون في الإثبات وكسر التجهم" عن الإمام أحمد وغيره ولله الحمد وهذا إجلال وإثبات وإقرار وليس لا تشبيهاً ولا تمثيلاً، ولكن من خاض في علم الكلام وقرصت فكره حيّة التجهم يشتد عليه ذلك، لذا حكم فيهم الإمام الشافعي حكم عمر في صبيغ ضربا وتشهيرا بين القبائل. واستنكر عدد من الأئمة تفشي الكلام والتعطيل الجهمي بين من ينتسب للسنة وأئمتها مع كثرة نصوصهم في ضلال الجهمية وكفرهم، قال الإمام أبو المظفر السمعاني فقال: (فَلَا يَنْبَغِي لأحد أَن ينصر مذْهبه[أي الشافعي] فِي الْفُرُوع ثمَّ يرغب عَن طَرِيقَته فِي الْأُصُول) فهذا من العجب أن هناك من ينتسب للأئمة بعد ذلك كالشافعي ومذهبه، ثم يناقضه في أصوله ومعتقده وحكمه في أهل الأهواء والكلام، بل من ضللهم الشافعي من المتكلمين الذين ابتلي بمناظرتهم كحفص الفرد وبشر المرّيسي هم أقرب لهؤلاء من الشافعي، بل لو انتسبوا لجهم أو حفص أو المرّيسي لكانت النسبة أصح لأنهم على أصولهم الكلامية، وأما الفروع فليس لهؤلاء الضلال الثلاثة فروع فقهية لاشتغالهم بالكلام، ولو كان لهم لزاحمت كلام الشافعي في كتب الشافعية بل لقدمت عليه كما قدمت أصولهم على أصوله، فالقوم في حيرة الكلام أو كما عبر الشافعي في تاران تلطمهم أمواجه. [ وتاران جزيرة في البحر لا تسلم فيها السفن، تسمى في عصرنا تيران] وهذا في المتأخرين كثير، ليس في الشافعية فقط؛ بل في كل مذهب متبوع لإمام معتبر، من الشافعية والحنابلة وغيرهم من المتذهبين وغير المتمذهبين والله المستعان وحده. فلا ينبغي أن يخالف أحدا السلف في أصولهم ويتبعهم في الفروع، فدين الله ينبني على التسليم للنصوص، وهذا ما نص عليه الإمام الشافعي وغيره. قال الإمام أحمد في رسالة عدوس العطار - وهي رسالة مهمة وصغيرة وفيها جمل من أصول أهل السنة - يقول فيها: (وَمن لم يعرف تَفْسِير الحَدِيث ويبلغه عقله فقد كفي ذَلِك وَأحكم لَهُ فَعَلَيهِ الْإِيمَان بِهِ وَالتَّسْلِيم مثل حَدِيث الصَّادِق المصدوق وَمثل مَا كَانَ مثله فِي الْقدر وَمثل أَحَادِيث الرُّؤْيَة كلهَا وَإِن نبت عَن الأسماع -أي: نأت وبعدت، ويستهجن سماعها - واستوحش مِنْهَا المستمع – أي: لا يدخلها التصور العقلي- وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْإِيمَان بهَا وَأَن لا يرد مِنْهَا حرفا وَاحِد – لأن رد شيء من النصوص لم يستوعبها عقله، رد لأمر عظيم، ونقص في الاستسلام والتسليم، أو رد يحول به إلى البدع – وَغَيرهَا من الْأَحَادِيث المأثورات عَن الثِّقَات وَأَن لَا يُخَاصم أحدا وَلَا يناظره وَلَا يتَعَلَّم الْجِدَال فَإِن الْكَلَام فِي الْقدر والرؤية وَالْقُرْآن وَغَيرهَا من السّنَن مَكْرُوه ومنهي عَنهُ لَا يكون)اهـ
فالقول بتأويل اليد بالقوة ونحوه من التأويلات والتعطيلات ينص الترمذي في سننه والمتقدمين على أن هذا قول الجهمية الضلال، و الترمذي على طريقة شيوخه كالبخاري والدارمي وأبي داوود وشيوخهم كأحمد وأقرانه. بل وممن استنكر هذا التأويل من غير السلف أبو الحسن الأشعري في كتابه الإبانة استنكارا شديدا ونص على أنه على عقيدة الإمام أحمد، ونص في كتابه مقالات الاسلاميين على اختياره لعقيدة أهل الحديث والإثبات، ومن ينتسب للأشعري ومن ينتسب للشافعي في العصور المتأخرة يرد كلامهما ويدور حول تأويلات الجهمية وينصرها!، ويرمي من قال بقول عامة السلف ومنهم الشافعي وأحمد بالحشوية والتشبيه، وأن الأشعري قالها تقية
العلامة الألباني رحمه الله تعالى
قال الإمام الألباني رحمه الله : أنا..رأيي أنه لا بد من الدندنة حول العقيدة في العالم الإسلامي كُلِه، وقصور العالم الإسلامي كله انصرافه عن العقيدة وعن تبيينها للناس، وأكبر دليل أن أحزاباً إسلامية معروفة كثرة عددِها وطول أمدها في التحزب يرون أن الاشتغال بالدعوة وبتصحيح الأفكار هذا خطأ، ولنا تجارب مؤسفة جداً، ومنذ ثلاثين سنة وأنا في المدينة جمعنا مجلس كهذا المجلس تماماً، -لكن كنا جالسين جلسة عربية على الأرض- وأنا كان جلوسي محل الأخ هذا منير، يعني آخر واحد، دخل رجل خطيب مصقع ورئيس حزب إسلامي معروف في بعض البلاد، فسلم وبدأ يصافح، لاحظت ملامح وجهه تمعرت كما جاء في الحديث، السبب أن أحداً لم يقم له، ولا شك أن هذا أمر غير معتاد في مثل هذه الاجتماعات، وبالنسبة لداخل له مركزه الاجتماعي، حتى وصل إلي وأنا آخر الجالسين هناك عند الباب تماماً، قلت له: يا أستاذ كما يقولون عندنا في الشام: عزيز بدون قيام؛ لأني أنا شعرت أنه صار في نفسه شيء من عدم قيام هؤلاء الناس له، هو ما كاد يسمع هذه الكلمة إلا انفجر، وقال: يا أستاذ نحن الآن نريد أن ننشغل بهذه الجزيئات وكذا وكذا.. وهو بيهدر كما يقولون في اللغة العربية: هدير... خطيب هو، ولازم نكون كلمة واحدة، ونحن الآن نعيش مع البعثيين والشوعيين و.. إلى آخره، فتركته حتى انتهى، قلت: يا أستاذ! هل يكفي ما سمعت منك أنه يكفينا الاجتماع على لا إله إلا الله ولو بدون فهم؟! قال: ولو بدون فهم. ما رأيك؟! رئيس حزب إسلامي! وأنا أعرف أن هذه الأحزاب تعيش على هذا الأصل، يكتفون من عامة المسلمين أن يقولوا لا إله إلا الله ولو لم يفهموا أن هذه الشهادة أو هذه الكلمة الطيبة تستلزم الكفر بالطاغوت، لكن ليس الكفر بالطاغوت فقط بالمعنى العصري اليوم؛ لأنه هذا أيضاً من مصائب العصر الحاضر، كثير من الشباب المسلم الآن: الطاغوت هو الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله، بينما هناك طواغيت متنوعة، هذه النذور وهذه الأيمان وهذه الدعوات التي توجه إلى غير الله عز وجل، هذه تنافي كلمة لا إله إلا الله بالنسبة لمن يفهم أن لا إله إلا الله يعني توحيد الألوهية وتوحيد العبادة، هذا العالم الإسلامي يعيش على هذا، ولذلك فعلى دعاة الإسلاميين حقاً أن يجمعوا ليس فقط في الأسلوب الحسن الذي دندنت حوله؛ بل ومعه العلم الصحيح بالكتاب والسنة، وهذا ما هو العالم الإسلامي بحاجة إليه
العلامة إبن عثيمين رحمه الله تعالى
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد: فإن الله تعالى يقول: ﴿يا أيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنها زَوْجَها وبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثِيرًا ونِساءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ إنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١]. ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أعْمالَكُمْ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ومَن يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب ٧٠- ٧١].
المراد بأهل السنة والجماعة وبيان طريقهم أهل السنة والجماعة هم الذين هداهم الله تعالى لما اختلف فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وكلنا نعلم أن رسول الله ﷺ، بعث بالهدى ودين الحق، الهدى: الذي ليس فيه ضلالة، ودين الحق: الذي ليس فيه غواية. وبقي الناس في عهده على هذا المنهاج السليم القويم، وكذلك عامة زمن خلفائه الراشدين، ولكن الأمة بعد ذلك تفرقت تفرقًا عظيمًا متباينًا، حتى كانوا على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي ما كان عليه رسول الله ﷺ، وأصحابه. بهذا نقول: إن هذه الفرقة هي فرقة أهل السنة والجماعة وهذا الوصف لا يحتاج إلى شرح في بيان أنهم هم الذين على الحق؛ لأنهم أهل السنة المتمسكون بها، وأهل الجماعة المجتمعين عليها.
ولا تكاد ترى طائفة سواهم إلا وهم بعيدون عن السنة بقدر ما ابتدعوا في دين الله سبحانه وتعالى، ولا تجد فرقة غيرهم إلا وجدتهم فرقة متفرقين فيما هم عليه من النحلة. وقد قال سبحانه وتعالى لرسوله ﵊: ﴿إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنهُمْ فِي شَيْءٍ إنَّما أمْرُهُمْ إلى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [الأنعام ١٥٩]. إذن لا حاجة لنا إلى التطويل بتعريف أهل السنة والجماعة. لأن هذا اللقب يبرهن على معناه برهانًا كاملًا وأنهم المتمسكون بالسنة المجتمعون عليها
العلامة إبن باز رحمه الله تعالى
العقيدة أهم الأمور وهي أصل الدين وأساس الملة، وهي التي بدأ بها الرسل عليهم الصلاة والسلام أممهم، وبدأ بها نبينا ﷺ أمته فمكث في مكة بعد النبوة عشر سنين يدعو إلى توحيد الله، والإخلاص له، والإيمان بأسمائه وصفاته، وأنه رب العالمين، وأنه الخلاق العليم، وأنه مستحق للعبادة، وكانت العرب تعرف أن الله رب العالمين وأنه خالقهم ولكنهم يتخذون معه الأنداد والآلهة من الشجر والحجر والأصنام وبني آدم والجن.. وغير ذلك، ... بيَّن لهم ﷺ أن العبادة حق الله وحده، وأن الواجب عليهم إخلاص العبادة لله وحده،
وقال: يا قومي! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، فلما قال لهم هذا استنكروا ذلك وأنزل الله في حقهم قوله تعالى عنهم أنهم قالوا: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ[ص:5]. فالعقيدة هي أهم الأمور وهي أساس الدين، فالواجب على طالب العلم أن يعتني بها حتى يتقنها على بصيرة وحتى يعلمها على بينة. والخلاصة في ذلك أن الذي عليه أهل السنة والجماعة وهو الذي بعث الله به الرسل وبعث بهم خاتمهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام هو الإيمان بالله وحده، والإخلاص في عبادة الله جل وعلا، والإيمان بأنه مستحق للعبادة، فلا يدعى إلا هو، ولا يستغاث إلا به، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يتقرب بالذبائح والنذور إلا له .. إلى غير هذا من العبادات كما قال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ[البينة:5]، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ[الإسراء:23]، وقال سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[الفاتحة:5]، وقال : قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ[الأنعام:162-163].
وهذه العبادة خلق الله من أجلها الثقلين كما قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات:56] المعنى: ليخصوني بالعبادة بالدعاء والخوف والرجاء والتوكل والصلاة والصوم والذبح والنذر ونحو ذلك، وبعث الله الرسل بذلك قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[النحل:36]، والطاغوت: كل ما عبد من دون الله، قال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ[الأنبياء:25]. فالتقرب إلى أصحاب القبور بالذبائح أو بالنذور أو بالدعاء أو طلب الشفاء أو المدد هذا من الشرك بالله ، وهو يناقض قول: لا إله إلا الله،
فالواجب على المسلمين أن يعبدوا الله وحده وأن يخصوه بدعائهم وخوفهم ورجائهم وذبحهم ونذرهم وصلاتهم وصومهم ونحو ذلك. أما الأموات المسلمون يدعى لهم بالمغفرة والرحمة، تزار قبورهم للذكرى ذكر الآخرة.. ذكر الموت وللدعاء لهم: اللهم اغفر لهم اللهم ارحمهم، كان النبي يزور القبور عليه الصلاة والسلام ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة ويقول: زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة، وكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، فعلم أصحابه أن يدعوا للأموات ويستغفرون لهم ويترحموا عليهم لا أن يُدْعَوا مع الله، ولا أن يستغاث بهم، ولا أن يطلب منهم مدد، لا، هم عاجزون عن ذلك، هذا بيد الله وفي حاجة إلى الدعاء لهم في حاجة إلى أن يدعو لهم أخوهم المسلم ويستغفر لهم. كان يزور البقيع عليه الصلاة والسلام ويقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين غدًا مؤجلون وأتاكم ما توعدون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد يدعو لهم عليه الصلاة والسلام، هذا هو الواجب وهذا هو المشروع في زيارة الموتى الدعاء لهم والترحم عليهم والاستغفار لهم،
أما أن يطلب منهم مدد المدد المدد يا فلان! هذا من الشرك الأكبر، أو يا سيدي اشف مريضي، يا سيدي البدوي يا سيدي الحسين أو يا فلان أو يا فلان، هذا.. أو اشف لنا مرضانا أو المدد المدد أو انصرنا أو ما أشبه به هذا لا يجوز، بل هذا من أنواع الشرك الأكبر، وهكذا إذا فعله مع الأصنام أو مع الأشجار أو مع الجن كله شرك بالله . أما الحي فلا بأس أن يطلب منه ما يقدر عليه من الأمور العادية الحي الحاضر القادر، تقول: يا أخي! ساعدني على كذا أقرضني كذا، فكني من خادمك، تعال لخادمك، أو لزوجتك، انهاه عني لا تؤذي بكذا، خادمك آذى فلان آذى جيرانكم حتى يمنع منه الأذى، الشيء المعتاد لا بأس به بين الناس وليس من الشرك، إنما الشرك طلب الأموات والاستغاثة بالأموات أو بالغائبين يعتقد أن فيهم سرًا، وأنهم يسمعون من بعيد يدعوهم يطلبهم المدد، هذا هو الشرك الأكبر. أما حي حاضر قادر تخاطبه في أمور يقدر عليها أو تكتب إليه أو بالهاتف بالتلفون تقول له: أقرضني كذا أو ساعدني في مزرعتي في كذا أو بعني كذا أو ماذا ترى في كذا تشاوره في كذا،
هذه أمور عادية بين المسلمين وغير المسلمين، بين الأحياء سواء كان من طريق المشافهة أو من طريق المكاتبة أو من طريق الهاتف - التلفون - أو البرقية أو ما أشبه ذلك، هذه أمور عادية ليس فيها بأس، إنما المنكر والشرك أن تدعو الأموات أو الأصنام الأحجار أو الأشجار تدعوهم تسألهم الشفاعة تسألهم الغوث المدد، أو الغائبين عنك الذين يسمعونك تعتقد فيهم أنهم يسمعونك وأن لهم سرًا، أو تدعو الجن أو ما أشبه ذلك هذا هو المنكر وهذا هو الشرك الذي أنكرته الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنكره نبينا عليه الصلاة والسلام، وبعث الله الرسل بإنكاره والتحذير منه. نسأل الله أن يوفق المسلمين لكل خير، وأن يبصر المسلمين بما فيه رضاه، وأن يهدي جميع المسلمين للفقه في الدين.
قسم العلماء
قسم الكتب
المذاهب والفرق
Copyright© 2024-2025 | حقوق الطبع والنشر محفوظة لجميع المسلسين | عقيدة المسلم